
بورصة البيضاء 2025: بين نمو اقتصادي متسارع واستراتيجيات استثمارية حذرة
البيضاء: إستثمار
تشهد بورصة الدار البيضاء بداية قوية لعام 2025، مستمرة في تعزيز زخم النمو الذي بدأه السوق المغربي في العام الماضي، وهو ما يترجم تعافيًا ملحوظًا للثقة لدى المستثمرين ويؤكد قوة الاقتصاد الوطني. لكن، كيف يمكن مقارنة هذا الأداء بسوق المال في مناطق مشابهة إقليميًا؟ وما الدروس المستفادة من هذه الديناميكية؟
بحسب تقرير “Earning T1-2025” الصادر عن مركز “بي إم سي إي كابيتال غلوبال ريسيرش”، حققت الشركات المدرجة إيرادات مجمعة بقيمة 81.1 مليار درهم، بنمو سنوي قدره 7.2%. هذا النمو مدفوع بشكل أساسي بقطاع البنوك الذي سجل قفزة صافية في الناتج البنكي بنسبة 10.9%، مدعومة بارتفاع الودائع والطلب المتجدد على القروض وسط بيئة أسعار فائدة مناسبة.
مقارنة القطاعات: البنوك والمحركات الاقتصادية
يبرز القطاع المالي، وبالأخص البنوك، كمحرك رئيسي للنمو في المغرب، حيث شكلت المؤسسات البنكية 43% من إجمالي نمو رقم المعاملات. بالمقابل، تشهد أسواق مالية أخرى في المنطقة مثل بورصة مصر ودبي تراجعًا نسبيًا في النمو البنكي بسبب عوامل تمويلية ومالية مختلفة، ما يوضح تفوق السوق المغربي في استعادة نشاطه المالي. بنك CFG Bank يبرز بقفزة تفوق 45%، متفوقًا على منافسيه محليًا، في حين تتنوع النتائج في الأسواق المجاورة مع تقلبات في أداء البنوك الكبرى.
القطاعات الأخرى: البناء والتعدين بين النمو والاستقرار
يواصل قطاع البناء والأشغال العمومية في المغرب تسجيل نمو مرتفع (+13.5%)، مدفوعًا بمشاريع ضخمة مثل تحضيرات استضافة كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030. بالمقابل، دول الجوار لم تشهد مثل هذا التوسع الاستثماري المكثف، ما يجعل السوق المغربي أكثر جاذبية للاستثمارات في البنية التحتية على المدى المتوسط.
في قطاع التعدين، يتصدر المغرب المشهد بفضل استثمارات ضخمة تجاوزت 1.5 مليار درهم لمشاريع في المغرب والسنغال، في حين تتأرجح استثمارات التعدين في دول أخرى بسبب تقلبات أسعار المعادن والظروف السياسية.
استثمارات ضخمة وسط إدارة مالية حذرة
شهدت الشركات المدرجة ارتفاعًا بنسبة 17.3% في حجم الاستثمارات خلال الربع الأول من 2025، مع استثمارات محورية في مجالات الاتصالات والبنية التحتية البحرية. رغم ذلك، يحافظ الدين الصافي للشركات على استقراره عند 63.5 مليار درهم، مما يعكس سياسة مالية حذرة تحمي الشركات من مخاطر الاضطرابات الاقتصادية.
هذه الحذرية المالية تميز السوق المغربي عن بعض الأسواق الإقليمية التي تعاني من ارتفاع مفرط في المديونية، ما يبرز كفاءة الإدارة المالية التي تحكم بورصة الدار البيضاء، وتمنحها استدامة في النمو.
التحديات والفرص المستقبلية
على الرغم من ارتفاع الإيرادات ونمو عدد الشركات ذات الأداء الإيجابي، يسجل قطاع العقار أداء أقل من المتوقع (+7.8%) بسبب تعديل منهجية حساب الأرقام المالية، ما يسلط الضوء على الحاجة لتحسين شفافية ووضوح المؤشرات المالية.
مقارنة بأسواق مالية إقليمية أخرى يُظهر المغرب قدرة أكبر على امتصاص الصدمات الموسمية، ويعتمد على قاعدة استثمارية متنوعة ومستقرة تدعم هذه المعطيات توقعات إيجابية لعام 2025، خصوصًا إذا استمر الدعم العمومي للمشاريع الاستراتيجية وتعزيز جاذبية السوق المالية لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
بورصة الدار البيضاء ليست فقط نموذجًا محليًا للنمو الاقتصادي والاستثماري، بل تمثل في السياق الإقليمي نموذجًا متقدمًا من حيث التوازن بين الاستثمارات الضخمة والسياسات المالية الحذرة، مما يؤهلها لمنافسة أسواق المال الإقليمية والعالمية بشكل متزايد خلال السنوات القادمة.