شباب المغرب بين تعليمي واعد وسوق عمل عاجز: مهارات تتقدم وفرص تتراجع

الرباط: إدريس بنمسعود

تسلّط دراسة صادرة حديثًا عن منظمة “الأفرو بارومتر” الضوء على واقع الشباب المغربي، إذ تكشف أن الفئة الأكثر تأهيلاً أكاديميًا في تاريخ المغرب الحديث هي نفسها الأكثر عرضة للإقصاء المهني. فبينما يرى 34٪ من الشباب أن عدم توافق مهاراتهم مع متطلبات سوق العمل يشكّل العائق الأكبر أمام التوظيف، تتعزز القناعة بأن المشكلة أعمق من مجرد نقص خبرة أو تكوين، لتلامس جوهر السياسات الاقتصادية التي ما تزال عاجزة عن إنتاج مسارات مهنية منسجمة مع حجم الطاقات المتخرجة سنويًا.

وتعكس مطالبة 65٪ من الشباب بزيادة الاستثمارات العامة في خلق فرص عمل حجم الشعور بإخفاق التدابير الحكومية القائمة، وكأن هذه الشريحة تقول صراحة إن الزمن لم يعد يسع خطاب النوايا ولا وعود البرامج، بل يستدعي حلولًا اقتصادية ملموسة. فرغم أن المغرب قطع خطوات مهمة في تعميم الولوج إلى التعليم العالي وتمكين المرأة من التكوين الجامعي — حيث بلغت نسبة الذكور الحاصلين على تعليم جامعي 58٪ مقابل 53٪ للإناث — إلا أن هذا التقدم لا ينعكس تلقائيًا على التشغيل. فالفجوة بين المعرفة والوظيفة تتسع بدل أن تضيق، مما يطرح إشكالية استدامة النموذج التعليمي برمّته.

وعلى خلاف الصورة التقليدية التي تربط قوة المجتمعات بدور شبابها السياسي، تبين المعطيات أن 7٪ فقط يؤيدون خفض سن الاقتراع إلى 16 عامًا في إفريقيا. وهي نسبة تكشف حالة فتور أو انقطاع في الثقة السياسية، وتعكس ربما قناعة بأن المشاركة الانتخابية لم تعد ضمانة للتغيير الاجتماعي أو الاقتصادي الذي ينتظره الشباب، خاصة في ظل تراجع أثر السياسات العمومية على جودة الحياة اليومية.

أما على المستوى المهني، فتبدو الصورة أكثر قتامة. فواحد فقط من بين خمسة أفراد في فئة 18-25 عامًا يعمل، ولا يتجاوز معدل من يشتغلون بدوام كامل 11٪، وهي أرقام تبرز أزمة اندماج حقيقية. ومع التقدم قليلًا نحو سن 26-35 عامًا ترتفع نسبة النشاط إلى 36٪، لكنها تظل مؤشرًا على تأخر التوظيف وغياب مسارات مهنية مستقرة. وهنا يصبح السؤال ليس فقط لماذا يتأخر التشغيل، بل ماذا يعني هذا التأخر على مستوى التوازن الاجتماعي والدينامية الاقتصادية والنفسيات الفردية؟

وتفتح هذه الدراسة الباب أمام قراءة أوسع تتجاوز المغرب نحو القارة الإفريقية، التي تواجه بدورها تحديات مشابهة رغم اختلاف السياقات. فالشباب، بحسب “الأفرو بارومتر”، عنصر حاسم في السلم المجتمعي والحياة الديمقراطية، غير أن التحسن السياسي النسبي الذي شهدته إفريقيا تخللته انتكاسات خطيرة، من انقلابات عسكرية إلى تحولات انتخابية غير مستقرة. ومن ثَمّ، فإن تحميل الشباب مسؤولية قيادة المستقبل يبدو مطلبًا طموحًا، لكنه يظل مرهونًا بمدى قدرة الحكومات على خلق بيئة اقتصادية تستوعب مواهبهم، وتمنحهم سببًا واضحًا للمشاركة في الحياة العامة بدل الانسحاب منها.

إن الخلاصة التي تفرض نفسها — بعيدًا عن لغة الأرقام الجافة — هي أن المغرب يقف اليوم أمام مفترق حاسم: فإما أن يتحول الرأسمال البشري الشبابي إلى قوة دافعة للتنمية، أو أن يتحول الإحباط المتزايد إلى عائق ثقيل يضعف الثقة في المؤسسات وفي مشروع الدولة الاجتماعية. وبين هذين الاحتمالين، يبقى السؤال مفتوحًا حول قدرة السياسات العمومية على اللحاق بطموحات جيل يملك المعرفة، لكنه ما زال ينتظر الفرصة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى