الزيتونة في فاس: بين بهجة المونديال ومرارة الانهيارات – قراءة في خطاب تناقضات الدولة ومطالب الإصلاح

الرباط: إستثمار

بينما احتضنت مدينة فاس انطلاق الحملة التنظيمية لحزب جبهة القوى الديمقراطية، قدّم أمينه العام مصطفى بنعلي خطاباً مركباً يقف على مفترق التناقضات المغربية الراهنة. فمن بوابة الاحتفاء بالإنجاز التاريخي للمنتخب الوطني في قطر والاستعدادات لاستضافة كأس إفريقيا، رسم الخطاب مساراً نقدياً يربط بهجة الرياضة بمرارة الواقع الاجتماعي اليومي. لم تكن الإشادة بـ”الرياضة كرافعة حقيقية للتنمية” سوى مدخل للتأكيد على أن اكتمال هذا النجاح مرهون بـ”تحسين أوضاع المواطنين” وضمان استفادتهم الجماعية، في إشارة واضحة إلى أن البطولات وحدها لا تبني دولة.

وانتقل الخطاب بذكاء إلى مقارنة دالة، فكما “يبني المغرب ملاعب كبرى بمواصفات دولية” للتظاهرات العالمية، فإن عليه أن “يشيّد مستشفيات عمومية بالمعايير نفسها وفي آجال متقاربة”. هذه المقارنة لم تكن عرضية، بل هي لبّ رؤية تنموية بديلة تضع المواطن في صلب السياسات وتعارض اختزال التنمية في قطاع واحد. وقد وجدت هذه الرؤية سندها في الواقع المأساوي، حيث حوّل بنعلي الحديث من أضواء الملاعب إلى ظلمة الكوارث، رابطاً بين انهيار عمارة في فاس وتداعيات فيضانات آسفي وبين “خطورة الفساد” الذي لا يهدد المال العام فقط بل “سلامة المواطنين وثقتهم في المؤسسات”، داعياً إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة.

وعلى المستوى الحزبي، جاء إطلاق حملة “انبثاق للانخراط وتجديد الانخراط” من فاس محاولة لتجسيد هذه الرؤية التناقضية على الأرض. فالشعار الرسمي “مغرب واحد للجميع” يحمل، حسب بنعلي، إنذاراً صريحاً بـ”اختلالات مغرب السرعتين”، داعياً إلى العدالة المجالية والاجتماعية. وهكذا، تتحول الحملة الرقمية لجذب الشباب والنساء من مجرد عملية تجديد تنظيمية إلى إطار سياسي لمقارعة اللاّمساواة. ختم اللقاء بقراءة الفاتحة ترحماً على أرواح الضحايا في فاس وآسفي، في إيحاء قوي بأن أي حديث عن التقدم والانبثاق يظل ناقصاً دون استحضار المسؤولية الجماعية تجاه الهشاشة والإهمال. خطاب بنعلي، في مجمله، كان استثماراً للرأسمال المعنوي للحدث الرياضي لطرح أسئلة مصيرية عن أولويات التنمية وجدوى المؤسسات وحدود الاحتفال في زمن الانهيارات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى