تراجع التضخم أم ثبات الأسعار؟ المغاربة بين أرقام الرسوم البيانية وحقيقة واقع السوق

الرباط: نارمان بنمسعود

رغم المؤشرات الاقتصادية التي تتحدث عن تباطؤ ملحوظ في مستويات التضخم خلال سنة 2025، ورغم البيانات الرسمية التي تبرز استقرارًا في الأسعار وارتفاعات طفيفة فقط، إلا أن الواقع المعيشي في المغرب يبدو أقل انسجامًا مع لغة الأرقام وأكثر قربًا من ضيق جيوب المواطنين. وبينما تشير المراجع الاقتصادية إلى تحسن المؤشرات العامة نتيجة انخفاض أسعار المواد الأولية عالميًا وتحسن الوضعية الفلاحية محليًا، تبقى المقارنة بين معدل التضخم وما يحس به المواطن على أرض الواقع أساس النقاش الحقيقي.

المؤشرات الحالية تفيد بأن التضخم يتجه نحو التراجع بالمقارنة مع سنوات 2022 و2023 التي شهدت ارتفاعًا حادًا في الأسعار. ففي شهر نونبر الأخير سُجل تراجع طفيف بنسبة 0.3%، وهو رقم يبدو للوهلة الأولى مبشرًا، لكنه لا يعكس انخفاضًا فعليًا في الأسعار بقدر ما يؤكد استقرارها عند مستويات قياسية. هنا تحديدًا تكمن المفارقة: فمن جهة يمكن اعتبار التباطؤ تطورًا إيجابيًا بالنسبة للحكومة وبنك المغرب، لكنه من جهة أخرى لا يتجاوز حدود الورق، إذ يستمر المواطن في الشكوى من الارتفاع المستمر لكلفة المعيشة.

وتكشف مقارنة الواقع الميداني بالتوجهات الاقتصادية أن العودة إلى الأسعار السابقة ليست مجرد عملية حسابية، بل هي معركة معقدة مرتبطة بسلوك السوق والقوانين الاقتصادية وموازين العرض والطلب. فكما أوضح الخبراء، حين ترتفع الأسعار عالميًا يسارع التجار إلى رفعها محليًا، وحين تنخفض، يغيب المنطق وتتغلب آليات الربح السريع على متطلبات التوازن الاجتماعي. إنها دورة اقتصادية غير عادلة، يتحمل فيها المواطن العبء الأكبر، بينما تبقى الفئات الميسورة في منأى عن التأثر المباشر.

ومقارنةً مع تجارب اقتصادات أخرى، يتضح أن المغرب ليس استثناءً في هذه الظاهرة، إذ تتكرر المعادلة في دول عديدة: انخفاض التضخم لا يعني تلقائيًا انخفاض الأسعار، بل استقرارها أو ارتفاعها بوتيرة أبطأ. لكن ما يميز الوضع المغربي هو هشاشة الطبقة المتوسطة التي تعاني انزلاقًا تدريجيًا نحو العجز، مقابل توسع دائرة الفقر. كل ذلك في ظل سياسات ضريبية تتجه نحو مزيد من التشدد والمراجعة، ما ينذر بركود أكبر بدل التحفيز الاقتصادي المنتظر.

ويبدو أن التحدي لا يقاس فقط بنسب التضخم ولا باطمئنان البيانات الرسمية، بل بمدى قدرة الأسر على مواجهة التكاليف اليومية. هنا تكمن المقارنة الأهم: بين لغة الاقتصاد التي ترى الأرقام، ولغة المجتمع التي تعيش النتائج. وبينما قد يصف الخبراء الوضع الراهن بأنه تطور إيجابي مقارنة بالسنوات الماضية، يرى المواطن أن الحال لم يتغير فعليًا، وأن التباطؤ في التضخم ليس سوى فرملة خفيفة لقطار كان قد اندفع بعيدًا عن متناول اليد.

إن المشهد الاقتصادي الحالي يعكس توازنًا هشًا بين تطمينات الدولة ومخاوف المجتمع. وبين واقع اقتصادي عالمي معقد، وتحديات داخلية مرتبطة بالإنتاج والاستهلاك، ستظل أسعار السوق هي الحكم النهائي الذي يحدد ملامح الجدل بين التفاؤل الرسمي والتشاؤم الشعبي. وفي النهاية، لا يُقاس التضخم بما تقوله البورصات فقط، بل بما يتركه من أثر في سلة مشتريات المواطن… وهنا يبدو المشهد بعيدًا عن الانفراج الحقيقي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى