
إسطنبول تهتز مجددًا… زلزال جديد يعيد شبح الكارثة ويجبر الجامعات على تعليق الدراسة

إسطنبول: نارمان بنمسعود
ضرب زلزال قوي صباح اليوم الأربعاء مدينة إسطنبول وعددًا من المناطق المجاورة في شمال غربي تركيا، ما أعاد إلى الواجهة مخاوف الملايين من تكرار سيناريو الزلازل المدمرة التي شهدتها البلاد في العقود الأخيرة، وعلى رأسها زلزال فبراير 2023 الكارثي. ومع أن الهزة الأرضية الأخيرة لم تخلف، حتى الآن، خسائر بشرية أو مادية جسيمة إلا أنها ألقت بظلالها على الحياة العامة، حيث سارعت العديد من الجامعات إلى تعليق الدراسة ليومين، في خطوة احترازية تهدف لتأمين سلامة الطلبة والكادر الأكاديمي.
زلزال متوسط القوة يوقظ المخاوف الكبرى
بحسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، فإن الزلزال بلغ قوة 6.2 درجات على مقياس ريختر ومركزه شمالي بحر مرمرة بعمق يقارب 21 كيلومترًا. وشوهد الناس يفرون من المباني إلى الساحات والطرقات، في مشهد بات يتكرر كلما اهتزت الأرض تحت أقدامهم، في بلد يقع ضمن أحد أكثر الأحزمة الزلزالية نشاطًا في العالم.
ورغم الطمأنة الأولية بعدم وجود خسائر كبيرة، إلا أن وقوع الزلزال قرب إسطنبول، المدينة التي تحتضن أكثر من 15 مليون نسمة، يثير قلقًا متصاعدًا بين الخبراء والمواطنين على حد سواء. المدينة سبق أن وُضعت في قائمة أكثر المناطق المهددة بزلزال مدمر خلال العقود القادمة، نتيجة قربها من الصدع الأناضولي الشمالي النشط.
تعليق الدراسة ليومين وإجراءات طوارئ سريعة
عقب الزلزال أعلنت عدة جامعات ومؤسسات تعليمية في إسطنبول عن تعليق الدراسة ليومين إلى حين التأكد من سلامة المباني والمنشآت، وهي خطوة اعتبرها البعض متأخرة بالنظر إلى دروس الماضي، خاصة بعد ما حدث في زلزال 2023، حيث تسببت الهزات الأرضية بانهيار آلاف المباني التي تبين لاحقًا أنها لم تكن مطابقة للمعايير الإنشائية.
وتأتي هذه الإجراءات في إطار خطة طوارئ وطنية بدأت السلطات التركية بتفعيلها مجددًا، وتشمل تقييم فوري للمباني، ومراجعة خطط الإخلاء، وتحسين جاهزية فرق الإنقاذ والإغاثة.

تركيا والزلزال: علاقة مزمنة بالكارثة
ليست هذه المرة الأولى التي تهتز فيها الأرض تحت المدن التركية، فقد شهدت البلاد منذ عام 1939 ما لا يقل عن 15 زلزالًا تجاوزت قوتها 7 درجات، كان أبرزها زلزال أرزنجان الذي راح ضحيته أكثر من 33 ألف شخص، وزلزال إزميت عام 1999، وزلزال فبراير 2023 الذي خلّف دمارًا واسعًا في الجنوب.
ويرى الخبراء أن الزلزال الأخير، وإن لم يكن مدمّرًا، يمثل “جرس إنذار جديد” للحكومة والمجتمع، لإعادة تقييم الاستعدادات الكارثية، خصوصًا في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية كإسطنبول.
إسطنبول على فوهة زلزال محتمل
يحذر علماء الزلازل منذ سنوات من أن مدينة إسطنبول مهددة بزلزال كبير قد يقع في أي لحظة، نظراً لتموضعها بالقرب من صدع نشط زلزاليًا لم يشهد تفريغًا للطاقة منذ أكثر من 250 عامًا. وبحسب تقديرات المركز الأوروبي المتوسطي لرصد الزلازل، فإن الزلزال “الكبير” المتوقع قد تتجاوز قوته 7.5 درجات، وهو ما يعني احتمال انهيار آلاف المباني ووقوع خسائر بشرية فادحة في حال لم تُتخذ الاحتياطات اللازمة.
وفي هذا السياق يرى محللون أن الحادثة الأخيرة يجب ألا تُعتبر مجرد حدث عابر، بل ينبغي أن تكون نقطة انطلاق لسياسات عمرانية وإنشائية أكثر صرامة، مع التركيز على توعية المواطنين وتعزيز خطط السلامة المدنية.
بين التعايش والاستعداد
رغم أن الزلازل ظواهر طبيعية لا يمكن منعها، إلا أن طريقة الاستعداد لها والتعامل مع تبعاتها تصنع الفرق بين مجرد “هزة أرضية” وكارثة إنسانية. الزلزال الذي ضرب إسطنبول اليوم لم يكن الأشد، لكنه كان كافيًا ليعيد إلى الواجهة سؤالاً بات يؤرق الأتراك: هل نحن مستعدون للزلزال الكبير؟





