الذكاء الاصطناعي بين الرهان التكنولوجي والرهان المجتمعي: جامعة الأخوين بإفران منصة للتفكير المشترك

إفران: إستثمار

في زمن التحولات الرقمية المتسارعة، لم تعد التكنولوجيات الحديثة مجرد أدوات تقنية بل غدت عصباً استراتيجياً لإعادة تشكيل اقتصاديات الدول وبُناها المجتمعية. في هذا السياق، اكتسبت الندوة الدولية حول التكنولوجيات والتطبيقات الرقمية، التي احتضنتها جامعة الأخوين بإفران، طابعاً خاصاً، ليس فقط من حيث مستوى المشاركين والأبحاث المقدمة، ولكن أيضاً لما تطرحه من أسئلة جوهرية حول موقع المغرب في المشهد الرقمي العالمي.

النسخة الخامسة من هذه الندوة، التي امتدت من 16 إلى 18 أبريل، شكلت فضاءً علمياً وحوارياً غنياً، بمشاركة باحثين وخبراء من مختلف أنحاء العالم، تناولوا مواضيع آنية تتعلق بالذكاء الاصطناعي إنترنت الأشياء، الأمن السيبراني، الأنظمة المدمجة، وتقنيات سلسلة الكتل (Blockchain). لكن الأهم من المواضيع، هو طبيعة التوجهات التي حملتها هذه الدورة: التركيز على البُعد التطبيقي، والربط بين البحث الأكاديمي والحاجيات التنموية الوطنية.

من التقني إلى المجتمعي

في تصريحاته الإعلامية شدد رئيس جامعة الأخوين، أمين بنسعيد على ضرورة تطوير “سيادة تكنولوجية” ترتكز على الكفاءات المحلية والبحث العلمي الموجه. وهو تصريح يعكس تحوّلاً في نظرة المؤسسات الجامعية المغربية نحو أدوارها، من كونها فضاءات تقليدية للتدريس، إلى مختبرات للإبداع والإنتاج المعرفي المرتبط بسياقه المحلي.

هذه المقاربة الجديدة التي تسعى إلى مواءمة التقدم التكنولوجي مع احتياجات المجتمع، تطرح تساؤلاً جوهرياً: هل يستطيع المغرب تجاوز موقع المستهلك إلى موقع المنتج للمعرفة الرقمية؟ وهل يمكن لهذه المبادرات أن تتحول إلى سياسة عمومية شاملة تدمج التكنولوجيا في رؤية وطنية واضحة للتنمية؟

أبحاث واعدة وإشكالات قائمة

ما ميز هذه الدورة أيضاً هو العدد الكبير من البحوث المقدمة، والتي تجاوزت 500 عمل علمي، تم قبول حوالي 40% منها فقط، مما يعكس مستوى الصرامة العلمية للندوة. كما ستُنشر المقالات المنتقاة ضمن منشورات دار “سبرينجر”، المعروفة عالمياً، ما يعطي قيمة مضافة للمحتوى العلمي المغربي.

لكن، بالرغم من جودة الأبحاث يظل التحدي الأكبر هو الانتقال من مرحلة التظاهرات العلمية إلى مرحلة بلورة مشاريع تطبيقية ذات أثر ملموس في الواقع. فالفجوة لا تزال قائمة بين البحث الأكاديمي وصناع القرار، وبين الجامعات والمقاولات، وهو ما يحد من قابلية تحويل المعرفة إلى حلول واقعية.

الجامعة كمختبر للابتكار

الرهان الحقيقي كما عبّر عنه عدد من المتدخلين، هو أن تصبح الجامعة فاعلاً محورياً في التنمية، لا مجرد ناقل للمعرفة. وهذا يتطلب رؤية مندمجة تعترف بالبحث العلمي كأداة للسيادة الوطنية، وتوفر له التمويل، والفضاءات، وحلقات الوصل مع النسيج الاقتصادي والاجتماعي.

في هذا السياق، يبدو أن جامعة الأخوين قد خطت خطوة مهمة عبر انخراطها في هذه الدينامية وخلقها لجسور تواصل بين الطلبة، الباحثين والخبراء من مختلف المشارب. فالتحول الرقمي لا يُبنى فقط بالتجهيزات والبروتوكولات، بل أساساً بالعقول، وبثقافة علمية ومجتمعية تؤمن بأن الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون في خدمة الإنسان لا العكس.

نحو رؤية وطنية متكاملة

التحولات المتسارعة التي يعرفها العالم، والتنافس الدولي الشرس حول الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الناشئة، تفرض على المغرب وضع رؤية وطنية متكاملة تُدمج الذكاء الاصطناعي في السياسات العمومية، التعليم، الاقتصاد، والأمن. ذلك أن الزمن الرقمي لا ينتظر المتأخرين، ومن يتأخر في الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، قد يضطر لاحقاً إلى استيراد مستقبله.

إن ما يحدث اليوم في إفران وإن كان في سياق أكاديمي، يشير إلى إرهاصات وعي جديد لدى النخبة العلمية المغربية. وعي يُدرك أن الذكاء الاصطناعي ليس ترفاً معرفياً، بل شرطاً من شروط البقاء، والازدهار، والاستقلال في عالم لا يعترف إلا بمن يملك المعرفة، ويُحسن توظيفها في خدمة مجتمعه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى