
“اقتصاد يبحث عن إقلاع: قراءة تحليلية في توقعات صندوق النقد الدولي حول نمو الاقتصاد المغربي”

بقلم: الخبير المهدي السبعاوي
في خضم سياق دولي يتسم بالاضطراب، أصدر صندوق النقد الدولي توقعاته الجديدة حول الاقتصاد العالمي، والتي تشمل معطيات دقيقة تخص الاقتصاد المغربي. وحسب هذه التوقعات، يُرتقب أن يحقق المغرب نمواً بنسبة 3.9% سنة 2025، يتراجع قليلاً إلى 3.7% في 2026، في وقت يُتوقع فيه انخفاض طفيف لمعدلات البطالة والتضخم، واستقرار نسبي لعجز الحساب الجاري.
لكن، هل تحمل هذه الأرقام بشائر تحول اقتصادي حقيقي، أم أنها تُخفي وراءها هشاشة بنيوية وتحديات مزمنة؟
نمو دون طموح: محدودية الإقلاع الاقتصادي
تبدو نسبة النمو المتوقعة (3.9%) في ظاهرها إيجابية، خصوصاً بالمقارنة مع متوسط النمو المسجل خلال السنوات الأخيرة، والتي تأثرت بتداعيات الجائحة، والجفاف، والتقلبات الجيو-اقتصادية. لكن هذه النسبة، في العمق، تظل بعيدة عن المستوى المطلوب لتحقيق إقلاع اقتصادي حقيقي، وتوفير فرص شغل كافية، والرفع من القدرة الشرائية للمواطنين.
فالنمو الاقتصادي في المغرب ما يزال يعتمد على قطاعات تقليدية محدودة القيمة المضافة، كالفلاحة والسياحة، مع بطء في تطور القطاعات الإنتاجية ذات الطابع الصناعي والتكنولوجي، رغم البرامج التحفيزية المعلنة.
التضخم والبطالة: استقرار نسبي أم تأجيل للأزمة؟
توقع صندوق النقد انخفاض التضخم إلى 2.2% سنة 2025، بعد أن كان قد شهد ارتفاعاً ملحوظاً في السنوات الماضية. ورغم أن هذا التراجع يشير إلى استعادة تدريجية للاستقرار المالي، فإن أثره الفعلي على معيشة المواطنين يظل محدوداً في ظل استمرار غلاء أسعار المواد الأساسية، وضعف الأجور.
أما البطالة التي يُتوقع أن تنخفض بشكل طفيف من 13.3% إلى 13.2%، ثم 12.9%، فتعكس استمرار عجز الاقتصاد المغربي عن خلق مناصب شغل كافية ومستدامة، خصوصاً في صفوف الشباب والنساء. ويعود ذلك إلى ضعف الاستثمار المنتج، وهيمنة القطاع غير المهيكل، وضعف ملاءمة التكوين مع سوق الشغل.
ميزان الأداءات: عجز تحت السيطرة أم مرآة للاعتماد الخارجي؟
استقرار عجز الحساب الجاري في حدود 2% لا يخفي واقع التبعية الاقتصادية، إذ يظل الاقتصاد المغربي هشاً أمام الصدمات الخارجية، بحكم اعتماده الكبير على تحويلات الجالية، والعائدات السياحية، والطلب الأوروبي على صادراته. كما أن عجز الميزان التجاري لا يزال قائماً بسبب ارتفاع فاتورة الاستيراد، خاصة في مجال الطاقة والمواد الغذائية.
الرهان الجهوي والدولي: المغرب وسط منطقة متقلبة
مقارنة بدول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يبدو المغرب في وضع نسبي أفضل من حيث النمو والتوازنات الماكرو-اقتصادية. لكن هذا التقدم النسبي لا ينبغي أن يُخفي حقيقة أن التوقعات الخاصة بالمنطقة ككل عرفت تراجعاً، مما يجعل المغرب يبحر في محيط إقليمي مضطرب، يستدعي المزيد من الحذر في التخطيط الاقتصادي.
الإصلاح الهيكلي هو المخرج الحقيقي
تُظهر أرقام صندوق النقد الدولي أن المغرب يسير على درب الاستقرار، لكن ليس بعد على درب الإقلاع. فالنمو يبقى ضعيفاً أمام حجم الانتظارات الاجتماعية، والتفاوتات المجالية، والضغوطات الخارجية. ولعل ما يحتاجه المغرب اليوم ليس فقط تحسناً ظرفياً في الأرقام، بل تحولاً عميقاً في النموذج الاقتصادي، يقوم على تنويع مصادر النمو، تحفيز الابتكار، إصلاح التعليم، وتقوية الحوكمة الاقتصادية.
ففي نهاية المطاف لا تقاس قوة الاقتصاد بالأرقام فحسب، بل بقدرته على تحقيق التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية والمناعة في وجه الأزمات.





