المغرب يزيح إسبانيا من مقعد القيادة: ثورة صناعية تُعيد رسم خريطة السيارات في المتوسط

إستثمار: حسن الخباز

في وقت تعيش فيه صناعة السيارات الإسبانية واحدة من أكثر مراحلها حرجًا منذ عقدين، يواصل المغرب تسلق سلم الريادة بثبات، ليصبح القوة الصناعية الصاعدة في مجال تصنيع السيارات بشمال إفريقيا والمتوسط.

فبينما تتراجع مؤشرات الإنتاج في مدريد، تزداد خطوط التجميع في طنجة والقنيطرة نشاطًا يوماً بعد يوم، في مشهد يعكس تحولاً استراتيجياً في موازين القوى الصناعية بين الضفتين.

وخلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، صدّر المغرب إلى إسبانيا وحدها ما يقرب من 30 ألف سيارة، أغلبها من طراز “داسيا سانديرو”، بمعدل أربع سيارات مغربية تُباع كل ساعة داخل السوق الإسبانية. هذا الإقبال المتنامي أثار قلق الأوساط السياسية والاقتصادية الإسبانية، التي ترى في التفوق المغربي تهديداً مباشراً لمكانة إسبانيا كأحد أبرز منتجي السيارات في أوروبا.

تشير الإحصائيات إلى أن إسبانيا فقدت موقعها الثامن عالميًا لتتراجع إلى الرتبة التاسعة سنة 2024، مع انخفاض إنتاجها بنسبة 3٪ مقارنة بعام 2023، وتراجع المبيعات بأكثر من 11.5٪.
أما الإنتاج الإجمالي فقد استقر عند 1.47 مليون وحدة فقط حتى نهاية غشت، بانخفاض بلغ 7٪، وهي أرقام تترجم أزمة عميقة في قطاع لطالما شكل أحد أعمدة الاقتصاد الإسباني.

الصدمة الكبرى تمثلت في قرار نقل إنتاج سيارة “سيتروين C4” من مدريد إلى القنيطرة بحلول عام 2029، وهو ما اعتبره مراقبون إعلاناً صريحاً عن انتقال مركز الثقل الصناعي من أوروبا نحو جنوب المتوسط.

صحيفة Eldebate الإسبانية أكدت في تقرير حديث أن المغرب يعيش “نهضة صناعية غير مسبوقة”، مدفوعة بعدة عوامل استراتيجية، أبرزها اليد العاملة المؤهلة بتكلفة تنافسية (حوالي 600 يورو شهرياً)، إلى جانب التوجه القوي نحو الطاقات المتجددة والإصلاحات القانونية والبيئية التي عززت جاذبية الاستثمار الصناعي.

بلغ الإنتاج المغربي نحو 700 ألف سيارة خلال 2025، مع توقعات ببلوغ مليون وحدة سنوياً في أفق 2027، بفضل استثمارات كبرى لمجموعتي “رونو” و**”ستيلانتيس”** في مصنعي طنجة والقنيطرة. هذه الدينامية جعلت من المغرب الوجهة الأولى لصناعة السيارات في إفريقيا، ومركز جذب للشركات الأوروبية الساعية إلى خفض التكاليف دون التضحية بالجودة والإنتاجية.

بفضل رؤية صناعية مندمجة تجمع بين البنية التحتية المتطورة والسياسات الداعمة للطاقة النظيفة والاستقرار السياسي، أصبح المغرب نموذجاً يحتذى به في التحول الصناعي الذكي، حيث لم يعد مجرد منصة إنتاج منخفضة التكلفة، بل قطباً إقليمياً يعيد رسم موازين الصناعة بين أوروبا وإفريقيا.

إن صعود المغرب في مجال السيارات ليس مجرد إنجاز اقتصادي، بل هو تحول جيوصناعي استراتيجي يعكس نجاح المملكة في تحويل موقعها الجغرافي إلى رصيد إنتاجي واستثماري، يجعلها اليوم في موقع القيادة، فيما تتراجع أوروبا إلى المقعد الخلفي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى