الجيل الخامس في المغرب: بين طموح التحول الرقمي ورهانات السيادة التكنولوجية

الرباط: ريم بنكرة

في مشهد يرمز إلى التحول العميق الذي تعرفه البنية الاقتصادية والإدارية المغربية، صادق مجلس الحكومة، اليوم الخميس، على ثلاثة مشاريع مراسيم حاسمة تمنح تراخيص لتشغيل شبكات الاتصالات بتقنية الجيل الخامس (5G). خطوة لا تقتصر على تحديث تكنولوجي، بل تمثل تحولًا استراتيجيًا في مسار بناء مغرب رقمي قادر على المنافسة الإقليمية ومواجهة تحديات الاقتصاد العالمي الجديد.

فالانتقال إلى الجيل الخامس لا يعني فقط تحسين سرعة الإنترنت أو جودة الاتصال، بل يرمز إلى إعادة تعريف العلاقة بين التكنولوجيا والتنمية. فهذه الشبكات، بقدرتها على نقل كمٍّ هائل من البيانات بسرعة غير مسبوقة، تمثل العمود الفقري لما يسمى بـ“الثورة الصناعية الرابعة” التي تقوم على الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والمدن الذكية، والصناعة المؤتمتة.

وتشير المراسيم المصادق عليها إلى تخصيص تراخيص بثلاث شركات كبرى: اتصالات المغرب، ميدي تيليكوم، ووانا كوربوريت، وفق إطار تنظيمي موحّد. غير أن التحدي لا يكمن فقط في منح الرخص، بل في قدرة هذه الشركات على الاستثمار الجاد في البنية التحتية، وتعميم الخدمة في جميع مناطق المملكة، بما فيها القرى والمناطق النائية، حتى لا يتحول “التحول الرقمي” إلى فجوة رقمية جديدة بين المركز والهامش.

من جهة أخرى، يرى متتبعون أن دخول المغرب رسمياً إلى عهد الجيل الخامس يعزز رهانات السيادة الرقمية، في ظل تزايد الاعتماد على البيانات الضخمة والمنصات العالمية. فالمغرب، وهو يفتح أبوابه لهذه التكنولوجيا، مطالب أكثر من أي وقت مضى بتقوية منظومة الحماية السيبرانية، وضمان استقلالية قراره التكنولوجي، خصوصاً مع تصاعد التنافس الجيو-اقتصادي حول من يملك السيطرة على “البيانات” بوصفها نفط القرن الواحد والعشرين.

ورغم الطموح الكبير الذي تحمله هذه الخطوة، يطرح المراقبون سؤالاً جوهريًا: هل يواكب الإطار التشريعي والإداري هذا التحول؟ فنجاح مشروع الجيل الخامس لا يتوقف على التكنولوجيا وحدها، بل على مدى انسجامه مع سياسات التعليم، والابتكار، وريادة الأعمال، وتمكين الشباب من المهارات الرقمية التي تؤهلهم للمشاركة الفعلية في الاقتصاد الجديد.

إن مصادقة الحكومة على تراخيص الـ5G تمثل أكثر من قرار تقني؛ إنها إعلان عن دخول المغرب مرحلة تنافسية جديدة، تتقاطع فيها التنمية بالسيادة، والتكنولوجيا بالعدالة المجالية، والابتكار بالمواطنة الرقمية. لكن الرهان الحقيقي سيبدأ الآن: كيف سيحوّل المغرب هذه القفزة التقنية إلى قوة اقتصادية ومعرفية مستدامة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى