تقرير صادم: حكامة الصحة بالمغرب في مأزق.. المركزية المرتبكة وتمويل هش يعطلان الحق في العلاج

الرباط: إدريس بنمسعود

كشفت مؤسسة وسيط المملكة، بناءً على تحليل معمّق لحزمة من التقارير والوثائق المؤسسية المرتبطة بحكامة قطاع الصحة، أنّ المنظومة الصحية المغربية ما تزال رهينة اختلالات هيكلية عميقة تعيق استجابتها للتحديات الديمغرافية وتزايد الطلب على الخدمات الطبية.

وجاء في تقرير “حكامة القطاع الصحي بالمغرب.. تشخيصات مؤسساتية وتوصيات للإصلاح”، المنشور ضمن وثائق “منتديات الحكامة المرفقية”، أنّ النموذج المركزي التقليدي الذي حكم القطاع لعقود طويلة لم يعد قادراً على استيعاب توسع السكان وتنوع حاجياتهم، في وقت لم ينجح فيه التقسيم الجهوي في تحقيق توزيع عادل للموارد البشرية والتجهيزات.

وتشير الوثيقة، إلى أنّ ضعف التنسيق بين المستويات الترابية يشكّل أحد أبرز أسباب الهدر في القطاع، إذ يؤدي غياب الانسجام الإداري إلى تكرار الإجراءات وتداخل المسؤوليات وغياب مساءلة واضحة.

واعتمد التقرير على خلاصات مؤسسات وطنية بارزة، بينها وسيط المملكة، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، إضافة إلى تقييمات مجتمع مدني من بينها جمعية الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وبحسب هذه المصادر، فإن تمويل القطاع الصحي يظل الحلقة الأضعف، سواء بسبب محدودية الميزانية العمومية الموجّهة للصحة أو غياب آليات تمويل مرنة تربط الموارد بالنتائج وجودة الخدمات. ودعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى إعادة هيكلة جذرية لمنظومة التمويل عبر نموذج مختلط يجمع بين التمويل العمومي والتدبير التعاقدي والمساهمات التضامنية، مع نظام محكم للتتبع والمساءلة.

كما أبرزت مؤسسة الوسيط، من خلال تحليلها للشكايات والتظلمات، أنّ التعقيد الإداري والمالي يشكّل حاجزاً كبيراً أمام المواطنين في الولوج إلى التعويضات والتغطية الصحية، ما يجعل من تبسيط المساطر والتحول إلى تتبع إلكتروني خطوة إصلاحية استعجالية.

ومن زاوية أخرى، يكشف تحليل الشكايات والتقارير الميدانية عن ضعف حاد في حكامة الموارد البشرية، فالعجز لا يتعلق بالعدد فقط، بل يشمل غياب التحفيز ووجود اختلالات في توزيع الكفاءات بين الجهات والمركز، وهو ما يعمق الفوارق الترابية في الولوج للعلاج.

ويضيف التقرير أنّ نظام المعلومات الصحية لا يزال بعيداً عن مواكبة حاجيات التخطيط واتخاذ القرار، بسبب غياب معطيات دقيقة ومؤشرات شفافة وقاعدة بيانات مفتوحة حول الأداء.

وتجمع مختلف التقارير على أن ضمان الحق في الصحة يتجاوز البنية التحتية والميزانية، ويتطلب قبل كل شيء “ثقافة مرفقية جديدة” تعيد بناء الثقة بين المواطن والمؤسسة الصحية، قائمة على الكرامة والإنصاف والمسؤولية المشتركة. وفي هذا الصدد، ترى مؤسسة الوسيط أن الوساطة المؤسساتية تمثل آلية مركزية لإرساء هذا التحول، من معالجة الشكايات إلى بناء قنوات دائمة للإنصات والتصحيح.

ويخلص التقرير إلى أنّ إصلاح الصحة ليس مجرد مجموعة مشاريع بل هو تحول في فلسفة الحكامة نفسها. فعندما يربط المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بين التمويل والجودة، ويؤكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان على فعلية الحق، ويحول الوسيط الشكايات إلى معرفة معيارية، ويقدم المجتمع المدني تقييمات ميدانية؛ تتشكل في الخلفية رؤية جديدة للدولة بوصفها فاعلاً يتعلم من مواطنيه بقدر ما يوجههم، ويعيد بناء الثقة عبر أثر ملموس وتحسين فعلي للخدمات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى