السياحة المغربية بين مطرقة الأسعار وسندان الجودة.. هل يحرق الغلاء حلم “سياحة وطنية” في متناول الجميع؟

الرباط: إدريس بنمسعود

في خضم الجدل المتصاعد حول غلاء الأسعار الفندقية في المغرب، خرجت وزيرة السياحة، فاطمة الزهراء عمور، لتؤكد أن تسعيرة الخدمات السياحية تخضع لمنطق “المنافسة الحرة”، بموجب قانون حرية الأسعار والمنافسة. غير أن هذا التبرير، رغم وجاهته القانونية، لا يبدو كافيًا لطمأنة آلاف المغاربة الذين يشعرون بأن أبواب السياحة الداخلية تُغلق في وجوههم صيفًا بفعل لهيب الأسعار.

الوزيرة لم تنكر وجود الغلاء، بل ربطته مباشرةً بقاعدة اقتصادية بسيطة: “الطلب يفوق العرض”، خاصة في مواسم الذروة. غير أن هذا الطرح يغفل عن حقيقة أن السياحة ليست مجرد قطاع اقتصادي للربح السريع، بل هي حق ثقافي واجتماعي يجب أن يُصان، خصوصًا إذا تعلق الأمر بالمواطن المغربي الذي يسهم في دعم هذا القطاع طيلة السنة.

وفي سياق الجواب البرلماني، حاولت الوزيرة الدفاع عن سياسات الحكومة بإبراز ما اعتبرته “حلولًا” موجهة لتوسيع العرض السياحي وتحسين جودته، مثل تشجيع الاستثمار في المنتجعات التي تراعي القدرة الشرائية للمواطن، وتثمين المدن العتيقة، وتوسيع الربط الجوي، وهي كلها إجراءات تبدو واعدة على الورق، لكنها ما تزال بعيدة عن التحقق على أرض الواقع، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الأسعار ما تزال تقفز قفزات غير مبررة صيفًا، كما أشار النائب البرلماني عبد الرحيم بوعيدة.

الأرقام التي قدمها بوعيدة لا تحتمل التأويل: 2500 درهم لليلة في فندق ثلاث نجوم، ترتفع أحيانًا إلى 4500 درهم، في مشهد تسعيري يصعب تبريره حتى بالمقارنة مع وجهات عالمية تقدم خدمات أعلى جودةً وأقل تكلفة. فهل نحن أمام سوق تتحكم فيه “شبه احتكارات” موسمية؟ وهل فقدت الدولة بوصلتها في ضمان التوازن بين التنافسية والانصاف الاجتماعي؟

الإشكال الأعمق يكمن في أن المواطن المغربي، الذي يُفترض أن يكون فاعلًا في تنشيط السياحة الوطنية، يشعر تدريجيًا أنه مُقصى من خريطة العروض السياحية التي تُصمم غالبًا لزوار أجانب بجيوب ممتلئة. ومع غياب ضبط صارم للأسعار أو آليات رقابة فاعلة، تبدو الحكومة وكأنها تُفرّط في أحد رهاناتها الكبرى: السياحة الوطنية كرافعة تنموية عادلة وشاملة.

في المحصلة، يبدو أن ما يُقدَّم من وعود، وما يُعلن من إجراءات، يصطدم على الأرض بجدار الأسعار الفاحشة، في وقت ما تزال فيه فئات واسعة من المواطنين تحلم بقضاء عطلة لائقة في وطنها، دون أن تضطر لاختيار بين الراحة أو الإنفاق المفرط. فهل تكون صيف 2025 فرصة لمراجعة السياسات، أم مجرد موسم آخر لتكريس الهوة بين العرض والطلب، وبين الدولة والمواطن؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى