صناعة المغرب على مفترق طرق: انتعاشة وهمية أم انطلاق حقيقي؟

الرباط: إستثمار

تكشف نتائج استقصاء بنك المغرد لشهر غشت الماضي عن تناقضات عميقة في القطاع الصناعي، تطرح أسئلة مصيرية حول جدوى السياسات الصناعية الحالية. فالانخفاض الكبير في معدل استخدام الطاقات الإنتاجية إلى 79% ليس مجرد رقم عابر، بل هو مؤشر خطير على وجود فجوة هيكلية بين القدرات الإنتاجية الفعلية وحجم الطلب الفعلي.

اللافت في المشهد أن الصناعات الغذائية تنفرد بأداء إيجابي في كل المؤشرات، من الإنتاج إلى المبيعات والطلبيات، بينما تترنح باقي القطاعات. هذا التفاوت يثير تساؤلات جدية عن مدى نجاعة سياسات دعم القطاعات الأخرى، وعن أسباب عجزها عن تحقيق نفس النجاح.

الأكثر إثارة للقلق هو ذلك التناقض الصارخ بين تراجع الطلبيات في معظم القطاعات، وتفاؤل الفاعلين الصناعيين بمستقبل الإنتاج والمبيعات. هذا الفصام بين الواقع الحالي والتوقعات المستقبلية قد يعكس أزمة ثقة في بيانات الراهن، أو ربما هو مجرد أمنيات غير مبنية على أسس واقعية.

كما أن تحسن المبيعات في الأسواق المحلية والخارجية رغم تراجع الإنتاج والطلبيات يثير حيرة محقة، ويشير إلى وجود خلل في منهجية رصد البيانات أو تفسيرها. فكيف تتحسن المبيعات بينما تنخفض الطلبيات ويتراجع الإنتاج؟

الاستثناء الوحيد الذي يستحق التوقف عنده هو تفاؤل الصناعيين رغم كل المؤشرات السلبية. هذه المفارقة قد تكون مؤشراً على معرفتهم بمعلومات أو خطط دعم غير معلنة، أو ربما هي مجرد تفاؤل قائم على الأمل بدلاً من الوقائع.

إن هذه الصورة المتناقضة تفرض إعادة نظر جذرية في آليات رصد الأداء الصناعي، وتبين الحاجة الملحة لسياسات صناعية أكثر دقة وفعالية، تخرج من دائرة الدعم العشوائي إلى التخطيط الاستراتيجي المدروس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى