
المغرب يقود تحول الطاقة في المنطقة: الاستثمار في السيادة الطاقية لمواجهة تحديات المناخ
الرباط: ريم بنكرة
كشف تقرير حديث للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بدأت تستشعر إلحاحية التحول نحو الطاقة المتجددة، ليس فقط كاستجابة بيئية، بل كمسار استراتيجي لتحقيق السيادة الطاقية والمرونة الاقتصادية. وأشار التقرير إلى أن الاستثمارات الضخمة في هذا المجال ستُضاعف القدرة الحالية للطاقة المتجددة في المنطقة أربع مرات تقريباً بحلول عام 2030، مع وجود تفاوت كبير بين دول المنطقة في القدرة على الانخراط في هذا السباق.
وفي هذا السياق، برز المغرب كنموذج استباقي فريد، حيث يمضي بثبات نحو بناء سيادته الطاقية من خلال رؤية متكاملة. فبصفته اقتصاداً غير معتمد على الهيدروكربونات ومستورداً صافياً للطاقة، أطلق المملكة “استراتيجية الجيل الأخضر 2020–2030″، مدركة للترابط الحيوي بين أمن الغذاء والماء والطاقة. ولتعزيز صمود منظومته الاقتصادية، وازن المغرب بين برنامجه الطموح لتطوير الطاقة المتجددة (الذي يقارب 24 غيغاواط) والخطة الوطنية للمياه 2020–2050، مستهدفاً ضمان الأمن المائي عبر محطات تحلية تعمل بالطاقة النظيفة.
ولم يقتصر دور المغرب على تأمين الإمداد المحلي، بل امتد لخلق قيمة مضافة عبر سلاسل إنتاج جديدة. فسعى المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب إلى دمج صناعة الأسمدة مع إنتاج الهيدروجين الأخضر، وتطوير قدرات التخزين الكهرومائي، مما يعزز مناعته الاقتصادية ويقلل من هشاشته أمام تقلبات السلاسل العالمية. ويعكس هذا النهج الشمولي رؤية تضع الطاقة المتجددة في صلب استراتيجية السيادة الوطنية.
وبالمقابل، يوضح التقرير أن دولاً أخرى في المنطقة تعاني من عوائق جسيمة مثل النزاعات وعدم الاستقرار السياسي والفساد، مما يحول دون جذب الاستثمارات اللازمة وتطوير مشاريع الطاقة المتجددة على نطاق واسع، كما هو الحال في العراق، الذي يعاني من انهيارات متكررة في شبكة الكهرباء.
وبشكل أوسع، أكد التقرير أن السعي نحو السيادة الطاقية في المنطقة ينطوي على تحديات جيوسياسية واقتصادية معقدة، منها الاعتماد على سلاسل إمداد المعادن الحرجة التي تهيمن عليها الصين، والضغوط الناجمة عن الاستنزاف السريع للموارد. كما أن المنطقة، التي تزود العالم بأكثر من 30% من نفطه، لا تزال تقاوم الدعوات للتخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري، حيث يشكل النفط والغاز 90% من توليد الكهرباء فيها عام 2024.
وحذر التقرير في ختامه من أن استمرار الاعتماد على النمط التقليدي سيفاقم استنزاف الموارد المائية والغذائية، مما يزيد الطلب على الطاقة ويحد من قدرة الاقتصادات على التكيف. وفي مواجهة هذه التحديات، يظهر مسار المغرب الاستباقي والمتنوع أن الاستثمار الاستراتيجي في الطاقة المتجددة وتقنيات التكيف ليس خياراً فحسب، بل هو ركيزة أساسية لبناء مستقبل أكثر استقراراً واستقلالية في منطقة تتأرجح بين تراثها النفطي ومتطلبات مستقبلها المناخي.





