بنكيران بين الدفاع عن “حماس” واستدعاء الدولة للتحقيق: تقاطعات السياسة والدين والشرعية في خطاب “البيجيدي”

الرباط: إدريس بنمسعود

في مشهد سياسي مشحون بالحسابات الإيديولوجية والتجاذبات الإقليمية، عاد عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، إلى واجهة الخطاب السياسي بأسلوب هجومي يستبطن أبعادًا تتجاوز لحظة المؤتمر الحزبي إلى طرح إشكالات جوهرية حول حرية التعبير، حدود السيادة، ووظيفة الحزب السياسي في دولة المؤسسات.

ففي سياق دفاعه عن استضافة أعضاء من حركة “حماس” في المؤتمر الوطني التاسع لحزبه، اعتبر بنكيران أن المطالبين بإلغاء المؤتمر يمارسون “وقاحة وقلة حياء”، مطالبًا وزارة الداخلية بفتح تحقيق مع الجهات التي أثارت هذا المطلب، في تصعيد غير مسبوق ضد أطراف لم يسمها، لكنه حمّلها مسؤولية المسّ بـ”إجماع مغربي” مفترض حول دعم القضية الفلسطينية.

غير أن الإشكال لا يكمن في الموقف من “حماس” في حد ذاته، بقدر ما يطرح سؤالًا حول حدود التداخل بين الديني والسياسي في الخطاب الحزبي، وحول مدى مشروعية استثمار قضية خارجية مشحونة بالعاطفة في لحظة إعادة ترميم الذات التنظيمية لحزب جُرّح انتخابيًا في محطة 2021.

بنكيران الذي وازن خطابه بين الدفاع عن الثوابت الوطنية وتوجيه النقد الضمني للسياسات الرسمية، حرص على التأكيد أنه “لا يدين بلده”، مع تسجيل تحفظه على ما أسماه “السماح بتزويد السفن بالأسلحة”، في إشارة غير مباشرة إلى مواقف دولية قد تكون شملت المغرب.

وهو خطاب ينهل من رصيد “التقية السياسية”، إذ يلوح بالنقد دون مجازفة القطيعة، ويدغدغ مشاعر الدعم لفلسطين دون أن يخرج عن دائرة “الاحترام الرمزي” للمؤسسات.

كما لم يفوّت الأمين العام لحزب “المصباح” فرصة الحديث عن الانتعاش التنظيمي بعد الهزيمة الانتخابية، مقدّمًا الحزب كفاعل لا يزال يحتفظ بدوره في تحريك النقاش العام ومراقبة أداء الحكومة، ومجددًا معارضته لمشاريع إصلاحية كإعادة النظر في مدونة الأسرة، وهو ما يندرج ضمن ثنائية تقليدية لطالما سكنت خطاب الحزب: المحافظة الأخلاقية في مقابل النزعة الإصلاحية المدنية.

في المحصلة خطاب بنكيران يعكس مأزقًا مزدوجًا: محاولة استعادة زمام المبادرة السياسية من داخل أزمة مشروعية انتخابية، واستثمار قضايا خارجية لتقوية جبهة داخلية مأزومة، في لحظة تتداخل فيها الحسابات الحزبية مع حساسيات الدولة وصورة المغرب الخارجية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى