صدام تحت القبة… وعبارة وهبي تفجر أعصاب النواب

الرباط: إدريس بنمسعود

تحولت الجلسة الأسبوعية لمجلس النواب إلى مسرح لفوضى سياسية تكشف عمق الاحتقان داخل المؤسسة التشريعية، بعدما انفجرت ملاسنات حادة بين وزير العدل عبد اللطيف وهبي وعدد من نواب العدالة والتنمية، بسبب عبارة واحدة كانت كافية لإشعال الجلسة: “بيان مجلس قيادات الثورة”.
هذه الجملة، التي لم تتجاوز ثواني، أسقطت الجلسة في فوضى عارمة كادت تنتقل إلى اشتباك بالأيدي، في سابقة جديدة تُظهر هشاشة النقاش العمومي داخل أهم مؤسسة دستورية.

المشهد، بما حمله من صراخ وتراشق واتهامات، يكشف أن القاعة التي يُفترض أن تكون فضاءً للنقاش الرصين تحولت إلى حلبة للمزايدات والانفعالات، وأن الوزير ونواب المعارضة على حدّ سواء اختاروا الانتصار للخطاب الحاد بدل مقاربة الإشكالات الجوهرية.

فجوهر الخلاف لم يكن في مضمون قانون العدول، بل في خطاب سياسي انزلق بسرعة إلى تبادل الاتهامات. ردّ النائبة حول “إقصاء المرأة العدل” و”الانقلاب على مخرجات الحوار” كان يمكن تجاوزه بنقاش مؤطر، لكن الوزير رد بسخرية سياسية أثارت حفيظة نواب العدالة والتنمية.

في المقابل، اختار نواب الحزب التصعيد وركّزوا على المطالبة بسحب العبارة من المحضر بدل العودة إلى مضمون النص التشريعي المطروح للنقاش، في حين بدا رئيس الجلسة عاجزاً عن ضبط الإيقاع أو فرض قواعد الهدوء.

الانزلاق إلى ثلاث نقاط نظام متتالية، وتبادل العبارات الساخرة مثل “دير الثورة” و”ماركسيون على سنة الله ورسوله”، ثم محاولة إخراج نائب بالقوة، كلها مؤشرات تدل على أن الجلسة تحولت من فضاء دستوري إلى نزاع شخصي وتصفية حسابات سياسية.

ومن منظور نقدي، ما حصل يعري ثلاثة اختلالات رئيسية:

غياب ثقافة النقاش المؤسسي: فالتوتر السريع يكشف أن القاعدة ليست الحوار، بل رد الفعل والانجرار إلى المشادات.

فضلا عن تضخم الخطاب الشخصي على حساب المضمون: فمشروع قانون العدول، الذي يفترض أن يناقش بجدية، تم تهميشه لصالح معركة لغوية وسياسية.

إضافة إلى قصور رئاسة الجلسة في ضبط النظام الداخلي: إذ بدا أن قواعد الجلسة تُطبَّق بانتقائية تُغذّي التوتر بدلاً من احتوائه.

ما حدث لا يمثل مجرد حادث عابر، بل يطرح سؤالاً جدياً حول مستوى الأداء التشريعي في المغرب: هل نحن أمام مؤسسة قادرة على إدارة خلافاتها عبر الحوار؟ أم أن الخطاب الشعبوي أصبح بديلاً عن النقاش القانوني؟

بقدر ما كانت القاعة صاخبة ومشحونة، بقدر ما بدا أن النقاش الحقيقي غائب، وأن من يدفع الثمن في النهاية هو المواطن الذي ينتظر وضوحاً، لا ملاسنات شخصية.

إن حادث “بيان مجلس قيادات الثورة” ليس مشكلة لفظية، بل مرآة لخلل بنيوي في طريقة تدبير الخلاف السياسي تحت قبّة البرلمان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى