
أكادير تكسر حاجز المليون سائح في 2025: مدينة الانبعاث تكتب فصلاً جديداً بلغة الأرقام
إستثمار: أمكار عصام
ليست الأرقام مجرّد رموز صمّاء على ورق، بل هي شهادات حيّة تُدوّن تحوّلات كبرى تصنعها العزيمة والإرادة السياسية، وفي مدينة أكادير التي طالما عُرفت بكونها القلب النابض للسياحة في جهة سوس ماسة، كُتب في سنة 2025 فصل جديد من تاريخها، بعدما تخطّت حاجز المليون سائح في ظرف ثمانية أشهر فقط، وهو إنجاز غير مسبوق لم يكن ليحدث لولا رؤية استراتيجية وتدبير محكم وتعبئة استثنائية قادها والي الجهة خلال سنة ونصف من العمل الميداني المتواصل . فالمسألة لم تكن مجرد مصادفة ظرفية أو نتيجة طبيعية لتعافي السياحة بعد الجائحة، بل كانت ثمرة مسار سياسي واقتصادي، جعل من السياحة رافعة أساسية للنمو، وأداة لترسيخ مكانة الجهة في الخريطة الوطنية والدولية .
الأرقام التي كشفت عنها تقارير 2025، سواء في الأربعة أشهر الأولى أو مع نهاية غشت، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن أكادير تسير بخطى واثقة نحو الريادة . خلال الأشهر الثلاثة الأولى من السنة استقبلت المدينة 315,530 سائحاً، بزيادة ملحوظة مقارنة بـ2024 و2019، وفي الأشهر الأربعة الأولى ارتفع الرقم إلى 439,157 وافداً، بزيادة تناهز 11.16% عن 2024 و19.07% عن 2019، ومع حلول الشهر الخامس،كانت الحصيلة قد تجاوزت 570,000 سائح، أي بمعدل نمو واضح يفوق 50% مقارنة بما قبل الجائحة، فيما جاءت الذروة مع نهاية غشت، حيث سُجّل رقم تاريخي : 1,012,000 وافد و4.307 مليون ليلة مبيت، أي بزيادة 9.65% عن 2024 و25.48% عن 2019، وهذه الأرقام ليست مجرد تفاصيل تقنية، بل هي مؤشرات دالة على تحول نوعي في جاذبية المدينة، والأكثر لفتاً للانتباه أن السوق البريطانية استحوذت على الصدارة بأكثر من 231,000 سائح، متبوعة بالسوق الفرنسية بـ 187,790 سائحاً، فيما تراجع السوق الوطني بنسبة طفيفة .
لم يعد من الممكن النظر إلى السياحة كقطاع ترفيهي فقط، بل صارت قضية اقتصادية ـ سياسية بامتياز، ففي حالة أكادير تجاوزت السياحة دورها التقليدي لتصبح محركاً أساسياً للنمو الجهوي، وورقة تفاوضية قوية للمغرب في محيطه الإقليمي والدولي، إذ أن ارتفاع معدلات الإشغال الفندقي إلى أكثر من 61% في بعض الفترات، يعني أن آلاف فرص العمل قد أُحدثت، وأن دورة اقتصادية كاملة قد انتعشت : من النقل الجوي والبري، إلى المطاعم، والصناعات التقليدية، والأنشطة الثقافية، وإذا كان الاقتصاد يقوم على الثقة، فإن عودة أكادير بهذه القوة إلى الساحة السياحية العالمية تعني أن المستثمرين أصبحوا يرون فيها فضاءً آمناً وجدياً وواعداً .
وراء هذه الأرقام هناك فعل سياسي واضح جسّده والي جهة سوس ماسة سعيد أمزازي، فمنذ قدومه إلى منصبه قبل سنة ونصف، اختار أن يضع السياحة في قلب أولوياته باعتبارها البوابة الأنجع لتنمية الجهة، لقد تحرك على مستويات متعددة، فعلى المستوى المؤسساتي عزز التنسيق بين الجماعات المحلية والمجلس الجهوي والفاعلين الخواص، مما مكّن من بلورة رؤية موحدة للسياحة، وعلى المستوى الدبلوماسي الاقتصادي فتح قنوات مع شركات الطيران الأوروبية خاصة البريطانية، مما أسفر عن زيادة الرحلات المباشرة نحو مطار أكادير، وعلى مستوى البنية التحتية عمل على تحسين صورة المدينة من خلال تكثيف الجهود الأمنية وتطوير الشبكة الطرقية والمرافق الشاطئية، أما في الجانب الترويجي فقد جعل من الجهة حاضنة لمعارض ومهرجانات كبرى رسخت في الذهنية العالمية أن أكادير لم تعد مجرد مدينة شاطئية بل وجهة متكاملة تجمع بين السياحة البحرية والبيئية والثقافية، هذا التحرك السياسي الذكي أعاد الثقة للفاعلين السياحيين، وحوّل التوجيهات الملكية بخصوص الجهوية المتقدمة إلى واقع ملموس على أرض الميدان .
ولا يمكن فصل البعد السياحي عن التنمية الاجتماعية، فالآلاف من الأسر في أكادير باتت تعتمد بشكل مباشر أو غير مباشر على العائدات السياحية، من الحرفيين في سوق الأحد، إلى سائقي سيارات الأجرة، إلى الشباب الذين يشتغلون في الفنادق والمطاعم، وبالتالي فإن الإنجاز السياحي لم يكن مجرد رقم يُسجل في دفتر الإحصاء، بل هو تحسين ملموس لمستوى عيش الساكنة، وتقليص للهجرة الداخلية نحو مدن أخرى، وتعزيز للانتماء المحلي، ومن هنا تبرز حكمة المقاربة التي تبناها الوالي، حيث لم ينظر إلى السياحة باعتبارها قطاعاً معزولاً، بل قاطرة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية .
لقد اعتمدت ولاية جهة سوس ماسة في شخص الوالي مقاربة سياسية اقتصادية شاملة يمكن تلخيصها في ثلاث مستويات : أولاً جذب الاستثمارات عبر خلق مناخ ثقة وتبسيط المساطر، ثانياً بناء شراكات بين القطاعين العام والخاص لتسويق وجهة أكادير دولياً، وثالثاً استحضار البُعد الثقافي والهوياتي للمدينة لتقديمها كعاصمة حضارية للجنوب المغربي وليس مجرد وجهة بحرية، هذه الاستراتيجية تعكس وعياً بأن التنمية ليست مجرد مشاريع متفرقة، بل رؤية سياسية متكاملة تتقاطع فيها الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
وإذا كان الوصول إلى مليون سائح في ثمانية أشهر إنجازاً غير مسبوق، فإن الرهان الأكبر يكمن في الاستمرارية، وهو ما يتطلب مواصلة تنويع الأسواق عبر استهداف أسواق جديدة مثل ألمانيا وإسبانيا وأوروبا الشرقية، وتوسيع البنية التحتية خاصة النقل الجوي والسككي مع التعجيل بمشروع البراق نحو أكادير، وتعزيز السياحة الداخلية التي تراجعت نسبياً لضمان توازن بين الصيف وباقي فصول السنة، وتثمين السياحة الثقافية والإيكولوجية، وتأهيل العنصر البشري في المجال السياحي لضمان جودة الخدمات .
لقد أثبتت تجربة أكادير أن لغة الأرقام حين تقترن بالرؤية السياسية قادرة على كتابة تاريخ جديد، وأن والي جهة سوس ماسة بما أبداه من دينامية غير مسبوقة جسّد كيف يمكن للإدارة الترابية أن تتحول من جهاز تنفيذي جامد إلى فاعل استراتيجي يقود التنمية ويصنع الحدث، فأكادير اليوم ليست كما كانت بالأمس، إنها مدينة تستعيد ثقتها بنفسها، وتُعيد رسم صورتها في ذاكرة السائح العالمي، وتفتح أمام المغرب أفقاً جديداً في دبلوماسيته الاقتصادية، وما تحقق في سنة ونصف فقط ليس سوى بداية لمسار واعد يمكن أن يجعل من سوس ماسة قطباً سياحياً عالمياً، وبين السياسة والاقتصاد والمجتمع تبقى الأرقام أقوى الشهود : مليون واثنا عشر ألف سائح في ثمانية أشهر فقط… إنها ليست مجرد أرقام إحصائية، بل إعلان واضح أن أكادير دخلت زمن الإنجاز الفعلي، بفضل والي جعل من الإدارة الترابية أداة للابتكار، ومن التنمية خياراً لا رجعة فيه .





