
سوق الشغل في المغرب: الأرقام، الفوارق، والتحديات و إرتفاع البطالة في صفوف الفئة العمرية بين 15 و24 سنة
الرباط: إستثمار
أعلنت المندوبية السامية للتخطيط أن معدل البطالة بالمغرب بلغ 12.8٪ خلال الفصل الثاني من سنة 2025، بانخفاض مقارنة بنفس الفترة من 2024 حيث كان 13.1٪.
يُقدَّر عدد العاطلين الآن بـ حوالي 1,595,000 شخص، مقابل 1,633,000 في السنة السابقة، أي انخفاض بنحو 38 ألف شخص.
في الوسط الحضري، البطالة بلغت 16.4٪، وهي أقل قليلاً من 16.7٪ العام السابق. أما في القرى، فقد تراجعت البطالة من 6.7٪ إلى 6.2٪.
البطالة بين الشباب والفئات المحددة
الفئة العمرية بين 15 و24 سنة تشهد معدل بطالة مرتفع جدًا: 37.7٪ حسب البيانات الأخيرة، بعد أن كانت حوالي 35.9٪.
حاملو الشهادات أيضاً يعانون، إذ وصلت بطالتهم إلى حوالي 19.4٪ ضمن هذه الفئة العمرية من الشباب.
النساء يتعرضن لمعدلات بطالة أعمق؛ حيث سجّلت البطالة لدى النساء نحو 19.9٪.
الفئة النشيطة وغير النشيطة
الفئة النشيطة تضم من هم في سن العمل ويعملون أو يبحثون بجدية عن العمل. الأرقام تؤكد أن عدد القوة العاملة (العاملين + الباحثين عن العمل) آخذ في الازدياد، لكن ليس بالسرعة الكافية لامتصاص الداخلين الجدد إلى سوق العمل من شباب وحاملي شهادات.
هناك فئة غير نشيطة تشكلها أشخاص لا يعملون ولا يبحثون عن عمل لأسباب متعددة: تكوين، مسؤوليات أسرية، إحباط، أو عدم توفر معلومات/فرص. هذه الفئة تمثل تحدياً إضافياً لأنها تعكس طاقة بشرية كامنة غير مستغلة.
الفوارق الاجتماعية والمجالية
المناطق الحضرية مقابل القروية: البطالة الحضريّة أعلى بكثير من القروية، لكن القرى تعاني من أنواع مختلفة من التهميش: قلة البُنى التحتية، ضعف الربط بالنقل والخدمات، وأحياناً غياب فرص الاستثمار المحلي. هذا يؤدي إلى هجرة داخلية من القرى إلى المدن بحثاً عن الوظائف، مما يثقل الضغط على المدن ويزيد من الفوارق الحضرية-القروية.
الفوارق النوعية والجندرية: النساء تواجه نسب بطالة أعلى، وتكون مشاركتهن في سوق العمل أقل، لأسباب ثقافية، اجتماعية، وأحياناً لضعف الدعم اللوجستي (النقل، خدمات الرعاية…).
التعليم والمؤهلات: رغم أن الحصول على شهادات عالٍ أصبح أكثر شيوعاً، تكمن المشكلة في التوافق بين التكوين الجامعي أو المهني واحتياجات سوق العمل، مما يولد بطالة بين الشهادات.
جهود الحكومة وأهدافها
تستهدف الحكومة خفض معدل البطالة إلى 9٪ بحلول 2030، من خلال خطة وطنية لتوفير حوالي 1.45 مليون فرصة عمل جديدة.
تفعيل برامج الدعم، المقاولات الصغرى، وتحفيز الاستثمارات في القطاعات القادرة على امتصاص العمالة، مع التركيز على الفئات الأكثر تضرراً: الشباب، النساء، وحاملي الشهادات.
التحديات الأساسية
ارتفاع البطالة بين الفئة الشابة رغم إحداث مناصب شغل، مما يعني أن النمو لا يستوعب الدخول الجديد لسوق العمل بالسرعة المطلوبة.
ضعف التكوين المهني والتقني في بعض الحالات، وبُعده عن القطاعات الواعدة.
غياب فرص متكافئة في القرى والمناطق النائية، مما يُضطر الشباب للهجرة أو البقاء عاطلاً.
التفاوتات في المشاركة بين الجنسين، خصوصاً أن النساء غالباً ما يلجأن إلى العمل غير الرسمي أو يبقين في المنزل لأسباب اجتماعية أو لوجستية.
مقترحات علاجية مستقبلية
1. تعزيز التكوين المهني والتقني، وتحديث برامج التعليم
مراجعة التخصصات الجامعية وربطها مباشرة بحاجيات السوق المحلي (الصناعي، الرقمي، الطاقات المتجددة، السياحة المستدامة).
تطوير الشراكات بين الجامعات/المعاهد المهنية والقطاع الخاص لضمان فرص التدريب والتوظيف.
2. دعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة
تسهيلات ضريبية وتمويلية خاصة للشركات التي تشغّل الشباب أو النساء من المناطق المهمشة.
تشجيع الابتكار وريادة الأعمال، لا سيما المشاريع القائمة على الاقتصاد الرقمي أو الصناعات الإبداعية.
3. تنمية المناطق القروية وتحسين البُنى التحتية
استثمار في النقل العام، الربط الرقمي، الخدمات الأساسية (الماء، الكهرباء، الصحة، التعليم) لتقريب فرص العمل من المواطن القروي.
تحفيز المشاريع الإنتاجية المحلية: الفلاحة، الصناعات الغذائية، الخياطة، الحرف اليدوية، السياحة القروية، إلخ.
4. سياسات خاصة للشباب والنساء
برامج تشغيلية مؤقتة أو عقود إدماجية تُمكن الشباب من اكتساب خبرة ومهارات.
مراكز للإرشاد المهني، وتوجيه التكوين لاسيما في المناطق التي تشهد اختلالات كبيرة.
تسهيل الجمع بين العمل والرعاية الأسرية (خدمات الحضانة، مراعاة ساعات العمل المرنة).
5. تحسين جودة وفرص العمل
التأكد من خلق عمل مؤدى عنه وذا حقوق، وليس فقط “شغل غير رسمي” أو موسمي.
تحسين شروط الأجور، الأمان الوظيفي، فرص التطوير ورفع المهارات.
6. رصد ومتابعة دورية بالبيانات
تحسين جمع البيانات (حسب الجنس، حسب الفئة العمرية، حسب الجهة) لتحديد المناطق والفئات الأكثر تضرراً.
تقييم السياسات الوطنية والإقليمية لتوظيف الموارد وضمان فعالية المبادرات.
رغم التحسن الطفيف في بعض المؤشرات، يظل سوق الشغل في المغرب يواجه تحديات كبيرة، خصوصًا فيما يتعلق بفئة الشباب، حاملي الشهادات، والنساء، وكذلك الفوارق المجالية بين المناطق. تحقيق الهدف الوطني المتمثل في خفض البطالة إلى نحو 9٪ يتطلب تعبئة جماعية، إصلاحات هيكلية، استثمارًا مركزًا في المناطق المهمشة، وتوجيهًا واضحًا نحو نوعية العمل وليس فقط الكمّيّة.

